top of page

٣٠عامًا من الإنجازات..دور نزارباييف في استقلال كازاخستان




كتب الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد


لا شك أن سنوات ما قبل استقلال هذه الدولة، تعد من أخطر الفترات في تاريخ كازاخستان، وبالتأكيد في حياة الرئيس الأول نور سلطان نزارباييف، وربما لم يكن الشعب يعلم أن بلاده في طريقها إلى تأسيس الدولة المستقلة، لكن أعتقد أن القائد الكازاخي ومنذ فترة طويلة كان متأكداً وبحكم عمله في المطبخ السياسي أنه سيأتي يوم تستقل فيه بلاده، أو على الأقل يوم ينفك فيه الإتحاد السوفيتي، ومن الطبيعي أنه كان يرغب في ذلك ككل مواطني بلده، إنما - ومن وجهة نظري - أرى بأنه كان يرغب فيه بشدة ومنذ طفولته نظراً لظروف نشأته وتربيته ووطنيته الشديدة.

ودليلنا على ذلك، ما نورده من قصة له تؤكد على ذلك، خلال فترة دراسته وهو صبي في مدرسة "كاسكيلين" الداخلية، حيث قال ذات مرة للمدعو عيساييف مدرسه المفضل وأستاذه ورئيس قسم التعليم: "خلال قيامك بتدريس مادة تاريخ الاتحاد السوفيتي تركز بشكل مفصل على بناء الدولة في روسيا وتطورها الاقتصادي والثقافي وقياصرتها وقادتها العسكريين وأبطالها القوميين، فلماذا يتعين علينا الحصول على المعلومات عن تاريخ كازاخستان وحكامها وقادتها، ليس داخل أروقة المدرسة ومن خلال الكتب المدرسية وإنما في المقام الأول من حكايات الأهل ومن رويات الكبار على المصاطب؟.قال نزارباييف ذلك أمام طلاب الفصل وهذه الجمل البسيطة التي قالها الصبي لم تكن بسيطة في داخلها أو يجرؤ أحد على التلفظ بها في ظل النظام السوفييتي، لكنه قالها ولم يقلها غيره في الفصل من زملائه أو أقرانه.

ومن هنا نعتقد بأن ذلك كان يعبر عن رغبة واشتياق إلى تدريس تاريخ بلده بشكل رسمي ومعتمد أسوة بما يدرسه الطلاب عن روسيا، وهذه الرغبة عندما تكون لدى صبي لا يعرف معنى كلمة استقلال بمفهومها الواسع، فهي تكون الرغبة الدفينة في الاستقلال والتي ظلت جزءًا منه وحلماً يراوده حتى تحقق فيما بعد، فكل كلمة قالها لأستاذه بمنتهى العفوية، ولم يكن فيها كلمة استقلال إلا أنها كلمات تصرخ في حروفها وأبعادها ومعانيها المبطنة بالرغبة في القومية والإستقلال.

وعند الحديث عند بداية ظهور نزارباييف على المسرح السياسي، نجد أنه من الصعب تحديد تاريخ ثابت لذلك، لأنه منذ أن كان طالباً في المدرسة كان يحتل المناصب حتى انضم إلى لجنة الشبيبة وكان قائداً معنويًّا في المصنع وعند أسرته. لكننا نعتقد أن 20 أكتوبر من عام 1973 هو التاريخ الحقيقي لبداية حياته السياسية الفعلية، وهو اليوم الذي اختاره السكرتير الأول للجنة الحزب بالمقاطعة ليكون أمين لجنة الحزب بمصنع التعدين في "قاراجندا"، وهو المنصب الذي ظل يشغله لمدة أربع سنوات.

هذا التاريخ يشكل نقلة جديدة في الحياة السياسية لنزارباييف، إذ أصبحت الفئة المسؤول عنها حزبيًّا حوالي ثلاثين ألف عامل والمنضمين للحزب حوالي ألفي عامل وهو رقم ضخم جدًّا إذا يشمل جميع عمال المجمع، حتى لو كان عدد منهم أعضاء في المؤسسة الحزبية التي يترأسها إقليميًّا، وهنا بدأ تعامله وتعاطيه بشكل أكبر مع مشاكل العمال والتعامل معهم بشكل قيادي، وأوجب عليه أن يكون شخصية ريادية مستقطبة جاذبة لهم، ناهيك عن التعامل مع الفئات الأعلى في الهرم التصاعدي لرئاسة الحزب، وانصب بشكل كبير على حل مشاكل العمل وتحسين إنتاج المصنع والمعدات والآلات وصيانتها لضمان استمرار العمل دون انقطاع. كما ساعد جدًّا في التقليل من الحوادث والخسائر وقام بإعداد خطة مهمة تهدف إلى تدريب وتعيين فنيين وكوادر مؤهلة للعمل مع قيامه بعمل اجتماعات يومية مع العمال لسماع مشاكلهم ومحاولته توفير حياة اجتماعية للعمال من عيادات وملاعب ومساكن وخلافه.

كان نزارباييف على قناعة تامة بأن العامل إذا استقر اجتماعيًّا سيزيد إنتاجه وتركيزه في العمل، ومن أجل ذلك حاول التواصل مع القيادات طالبًا حلولاً للمشاكل التي لا يستطيع هو التوصل إلى حلول لها، أو تفوق صلاحياته وقدراته.

وبالفعل تكللت جهوده بالنجاح، إذ وافق الحزب على إنشاء حضانات للأطفال وشاطئ ومساكن ومدارس فنية مهنية واستاد رياضي وغيره من المنشآت الاجتماعية، ولنا أن نتخيل أثر ذلك على العمال الذين لم يعيشوا هذه التجربة من قبل، وحققها لهم هذا القائد، والذي حظي بالمزيد من الحب والاحترام. وكانت تلك هي أول الخطوات التي يقوم بها كمسؤول سياسي في الصف الأول، حيث استطاع الجمع بين حب العمال وهي القاعدة الشعبية، وإرضاء التوجه الحزبي وقياداته.

وكطبيعته في التأصيل والبحث عن جوهر الأمور وتلقي أصولها من مصدرها الأصلي، وبحكم توليه مسؤولية حزبية رفيعة المستوى، قام نزارباييف بخطوة هامة جدًّا تمثلت في الالتحاق بالدراسة عن بُعد في المدرسة الحزبية العليا التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي لمدة ثلاث سنوات، والتي كانت تعتبر - آنذاك - من أعلى المؤسسات العلمية السياسية التي كان من الممكن أن يحصل فيها الفرد على تأهيل سياسي.

وبذلك أصبح نزارباييف مؤهلاً من قبل جهة تعليمية سياسية أي درس سياسة أكاديميًّا فعليًّا ومارسها عمليًّا من موقعه الوظيفي وتعامله المباشر مع العمال مما عزز قدراته ومهاراته السياسية.

وفي عام 1977، اتسعت القاعدة الشعبية التي يتعامل معها نزارباييف، مما ساهم في تعزيز نضجه ووعيه السياسي، حيث تم انتخابه أميناً للحزب بمقاطعة "قاراجندا" لشؤون الصناعة لسنوات، وبعدها تم اختياره ليتولى منصب السكرتير الثاني للجنة، ومن هنا بدأ إدارة أعمال أكبر حجماً منها التنسيق بين صناعات متعددة كالفحم والحديد وإنتاج المعادن غير الحديدية، ولكنه اصطدم بفئة أخرى من العمال مشاكلها أكبر من عمال المجمع، وهم عمال مناجم الفحم، حيث تدخل وتصدى بشخصه لحل مشاكلهم وأنشأ مساكن لهم فأحبوه وانضمت إلى قاعدته الشعبية جماهير أكثر.

وعقب ذلك بعامين وتحديد عام 1979، اختاره دينكونايف وهو السكرتير الأول للحزب، ليتولى أمانة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكازاخستاني لشؤون الصناعة والنقل والاتصال فزادت أيضاً الفئة التي يتعامل معها وأصبح من شخصيات الجمهورية وشغل هذا المنصب بكفاءة كالمعتاد.

وفي فبراير عام 1981، تم انتخابه بمجلس السوفييت الأعلى عضواً بلجنة التفتيش المركزية بالحزب الشيوعي، وهنا تعاظمت خبراته، لانتقاله إلى أعلى المستويات، فالعمل في موسكو والقاعدة في كازاخستان، وترك بصماته الواضحة، فأصبح له قاعدة أخرى من شخصيات سياسية معروفة في مجلس السوفييت الأعلى، فيما تعد هذه الفترة هي التاريخ الرسمي لظهوره السياسي في الأوساط الحكومية العليا للدولة، وليس في مصنع أو في مقاطعة أو جمهورية، وهذا ما استغله بقدر استطاعته ليوفر لبلده كازاخستان بعض المميزات والأعمال التي يقتنصها من القيادة الأم في موسكو، وفي ظروف كانت تموج فيها الأخيرة بالتغييرات السياسية والخلافات الأيدولوجية، إلا أنه تعامل مع كل تلك التطورات والتغييرات بنجاح كبير.

وبنظرة سريعة على أعماله من بداية ظهوره على المسرح الإقليمي العمالي في مجمع الحديد حتى دخوله مجلس السوفييت الأعلى، نجد أنه تطور سياسيًّا، فأصبح أكثر من شخص قائم بدور خدمي لفئة صغيرة إلى شخص سياسي محنك يستطيع أن يتعامل مع الجميع صغيراً أو كبيراً وبمنتهى المهارة، ونتج عن ذلك أنه أصبح رجل دولة من الطراز الأول والمبدأ الذي اعتنقه هنا كان بسيطاً، وهو العمل والتفاني والخدمة وتسيير الأعمال بالإمكانيات المتاحة، لكنه لم يكتمل بعد ليصبح مذهبًا سياسيًّا كامل الأركان، وذلك لتقييد الحلول بين يديه من جهات أعلى وأكثر نفوذاً من قدراته.

إذاً ماذا لو تُرك له الحل وحرية التصرف والإمكانيات، ماذا سيفعل؟ من الواضح أنه وضع مبدأ ثابت لنفسه، هو التعلم والدراسة أولاً والتعايش مع الأمر الواقع مهما كانت ضآلة الإمكانيات، ومن نجاح في التعامل مع عدد صغير من العمال ومع عدد ضخم من كبار سياسيي الإتحاد السوفيتي، من المؤكد أنه يستطيع أن يتعامل مع شعب وشؤؤن دول خارجية، فيما إذا ما طبق نفس نظريته وفكره ومذهبه السياسي، فالتجربة إذا كانت ناجحة على نطاق صغير فمن المؤكد أنها ستنجح على نطاق كبير، خاصة أن العامل الثابت فيها هو نزارباييف والمتغير هو شعوب أو حكومات أو ظروف سياسية أو حتى دول أخرى، فطالما توافرت له الظروف والمناخ المناسب، فبالتأكيد هذا ما نجح في تحقيقه خلال مسيرة حكمة التي امتدت حوالي 27 عاما.


#٣٠عامًامنالإنجازات..

コメント


bottom of page