
بقلم د : خالد السلامي
في أروقة المدارس، داخل الفصول الدراسية الهادئة، يجلس الطلاب في صمت، يحدّقون إلى السبورة، ينقلون ما يُملى عليهم، يحفظون النصوص كما هي، ويعيدون إنتاجها في الاختبارات وكأنها قوانين ثابتة لا تقبل الجدل. بل إن أحد علامات المعلم المسيطر والمتمكن هو المعلم الذي يتميز فصله بالهدوء ويجلسون بلا حركة. المعلم يتحدث، والطلاب يستمعون، وأي محاولة لطرح سؤال خارج السياق قد تُعتبر خروجًا عن النظام أو استهتارًا بالدروس. الصمت في الصف يُعدّ علامة على الانضباط، والتكرار هو وسيلة التعليم الوحيدة، والإبداع؟ مجرد فكرة جميلة تزين شعارات المؤسسات التعليمية، لكنها لا تجد مكانًا في الواقع.
هذا النمط من التعليم لا يُنتج عقولًا مفكرة، بل يُخرّج أجيالًا تجيد التلقّي، لكنها تفتقر إلى القدرة على التحليل والاستنتاج والابتكار. تتخرج دفعات من الطلاب يحملون شهاداتهم، لكنهم لا يحملون أدوات التفكير النقدي، ولا مهارات الحوار والنقاش، ولا الشجاعة على طرح التساؤلات التي تصنع الفرق. والنتيجة؟ مجتمعات تكتفي بإعادة إنتاج نفسها، لا تتغير، لا تتطور، لا تطرح أسئلة جديدة، بل تكتفي بتكرار الأجوبة القديمة.
لكن هل كان هذا هو النهج الذي أراده الإسلام لنا؟ على العكس تمامًا، فقد كان الإسلام دين التفكير، دين التساؤل، دين النقاش والحوار. لم يكن نهجًا يفرض على الإنسان القبول الأعمى، بل كان يفتح أمامه الآفاق، يدعوه للتدبر، ويحثه على البحث والاستكشاف. كيف لا، والقرآن الكريم مليء بالأسئلة التي تدفع العقل إلى التأمل؟ “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟”، “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟”، “أولم يتفكروا في أنفسهم؟”. كلها تساؤلات ليست للاستفهام فقط، بل لتحفيز العقل على التفكير، للخروج من دائرة الصمت، للبحث عن الحقيقة بإرادة ووعي.
عندما نعود إلى سيرة النبي محمد ﷺ، نجد أن الحوار كان جزءًا أصيلًا من طريقته في التعليم والتواصل. لم يكن يلقّن الناس دون أن يتيح لهم المجال للحديث والمناقشة، بل كان يحاورهم، يجيب عن أسئلتهم، ويناقش أفكارهم. وعندما أشار الحباب بن المنذر بتغيير موقع الجيش في غزوة بدر، لم يقل له النبي: “اصمت ونفّذ”، بل استمع إليه، وأخذ برأيه، وقال: “لقد أشرت بالرأي”. وعندما جادلت امرأة النبي ﷺ في مسألة، لم يُمنع صوتها، بل خلد القرآن موقفها في قوله تعالى: “قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها”.
الإسلام لم يكن يومًا دين الصمت، بل كان دين الحوار والاختلاف المثمر. علماء المسلمين في عصور النهضة كانوا يناقشون ويختلفون ويجادلون، وكانت المجالس العلمية تعجّ بالحوارات والآراء المتباينة. لم يكن الخلاف يعني الفرقة، بل كان يعني البحث عن الحقيقة من زوايا متعددة، وكان هذا هو سرّ تقدم الأمة في ذلك الزمن.
إذن، لماذا تراجعت أساليبنا التعليمية؟ ولماذا أصبحت مدارسنا تطالب بالصمت أكثر مما تطالب بالتفكير؟ ولماذا أصبح الطالب الذي يسأل كثيرًا يُعتبر مزعجًا، بينما الطالب الصامت المطيع يُعدّ نموذجًا مثاليًا؟ لو كان الصمت فضيلة مطلقة، لما سمعنا عن علماء غيروا مجرى التاريخ، ولما رأينا عقولًا صنعت الفارق، ولما تقدمت أمم وانهارت أخرى.
لقد آن الأوان لنغيّر هذا النهج، أن نعيد بناء أساليبنا التعليمية على أساس التفكير، لا التكرار. أن نسمح للطلاب بطرح الأسئلة، حتى وإن بدت بسيطة، فالسؤال البسيط قد يقود إلى اكتشاف عظيم. أن نحفّزهم على الحوار، لا على التلقين. أن نعلّمهم كيف يناقشون، لا كيف يحفظون فقط.
ليس المطلوب أن يتحوّل الصف إلى فوضى، ولا أن يصرخ الجميع دون نظام، لكن المطلوب هو أن يكون هناك مساحة للنقاش، مجال للبحث، فرصة للعقل كي يعمل بحرية. فالأمم التي تفكر هي الأمم التي تنهض، والمجتمعات التي تحاور هي التي تتقدم، والعقول التي تتساءل هي التي تصنع المستقبل.
لذلك، قبل أن نطلب من أبنائنا أن يكونوا “مطيعين”، فلنسأل أنفسنا: هل نريدهم مجرد منفذين، أم نريدهم صناع تغيير؟ هل نطمح أن يكونوا نسخًا مكررة، أم نريدهم أن يكونوا مفكرين قادرين على الابتكار؟ الإجابة على هذا السؤال هي التي ستحدد مصير أجيالنا القادمة. فمتى نكفّ عن تعطيل عقولنا، ونبدأ في تحفيزها على التفكير؟
المستشار الدكتور خالد السلامي .. حصل على "جائزة أفضل شخصيه تأثيرا في الوطن العربي ومجتمعية داعمه " لعام 2024
حصل المستشار الدكتور خالد السلامي - سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم .
وحاصل أيضًا! على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي لعام 2023 ؛ ويعد" السلامي "عضو اتحاد الوطن العربي الدولي وعضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي .والممثل الرسمي للمركز في دولة الإمارات العربية المتحدة
كما حاصل على "جائزة أفضل شخصيه مجتمعية داعمه "وذلك لعام 2024 وعضو في المنظمه الامريكيه للعلوم والأبحاث.
ويذكر أن " المستشار خالد "هو رئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021.
Comments