بقلم صابر الجنزوري
على غير العادة عند كتابة دراسة أو قراءة فى كتاب ذات موضوع محدد أجدني أخالف القواعد ولا أبدأ البدايات التقليدية متناولا العنوان أو المقدمة أو الإهداء ، فخالفت كل ذلك لأتطرق إلى السيرة الذاتية لصاحب كتاب
"الطريق إلى أكتوبر".
لماذا ؟
لأن الحديث عن الأستاذ محمد الشافعي لا ينتهي مع ما قدمه من عطاء وإخلاص ووطنية. ولعل تلك السيرة التى هي جزء من الكتاب وأتت في نهايته تفيدنا في التعرف على كتابات وإصدارات الأستاذ الشافعي التى عندما نقرأ عنها فلا نندهش إذا ما كتب عن الطريق إلى أكتوبر ولن نندهش إذا ما كتب بعد ذلك وأرخ لأكتوبر وما بعدها وربما حتى ذلك الوقت الذي نعيشه من العقد الثالث من الألفية الثالثة .
يقول الأستاذ الشافعي فى بداية السيرة الذاتية أنه
كاتب ومؤرخ أنجز عدة مشروعات في مجال الكتابة التاريخية ، خاصة تاريخ مراحل النضال الوطني فى العصر الحديث ، ومن هذه المشروعات سلسلة كتب عن التاريخ لحركة المقاومة الشعبية المصرية فى العصر الحديث ، فقد كتب عن المقاومة فى مدينة السويس وبورسعيد والإسماعيلية، وكتب عن دنشواي وكتب حكاوي القناة وعن قناة السويس ملحمة شعب ، وكتب عن أبطال وشهداء عظام ، كتب عن الشهيد عبدالمنعم رياض وكتب عن صائدو الدبابات وكتب عن المجموعة ٣٩ مدد يارفاعي مدد التى تحدث فيها عن الشهيد إبراهيم الرفاعي ورفاقه ، وكتب عن صلاح الدين وعبدالناصر ورفاعة الطهطاوي وبيرم التونسي. كل هذه العناوين كانت كتبا وتاريخا طويلا فى الكتابة التاريخية والصحفية ، لذلك جاء كتاب الطريق إلى أكتوبر إضافة كبيرة لسلسلة مشاريع الكتابة التاريخية ليتناول فترة مهمة جدا فى تاريخ مصر الحديث.
عندما نقرأ كتابا للأستاذ محمد الشافعي خاصة فيما يتعلق بالتاريخ الحديث فإننا نقرأ تاريخا موثقا ومعلومات غزيرة في نفس الوقت وحكايات لم نكن نعرفها ، فهو يبحث عن الدرر المهمة ويجيد تقديمها فى ثوب الباحث والصحفي الذي يبحث عن الخبر والمؤرخ الذي يبحث عن الحقيقة ، وفي كتابه
الطريق إلى أكتوبر نجد الأستاذ الشافعي المؤرخ والصحفي يقدم لنا معلومات تاريخية موثقة لأهم فترة تاريخية فى تاريخ مصر الحديث، تلك الفترة التى بدأت من يوم الخامس من يونية عام ١٩٦٧ حيث حدث فى ذلك اليوم ما أطلق عليه
" النكسة" أو الهزيمة فقد اعتدى الكيان الصهيوني الإسرائيلي على مصر وسوريا وفلسطين واحتل سيناء والجولان والضفة الغربية ، ولكن مصر بشعبها وقادتها وزعيمها الراحل جمال عبد الناصر رفضوا الهزيمة واعتبروها نكسة مثل "انتكاسة" مريض سوف يتعافى ويعود أقوى مما كان وينتصر على المرض ويتخلص منه ، فما كان العدوان إلا وباء وفيروس أصاب الأمة العربية بالحمى فكان لابد من المقاومة حتى يتم التخلص منه وهزيمته وقد كان ، ونهض الشعب المصري الذي رفض تنحى رئيسه عن القيادة وطالبه بالإستمرار حتى النصر وأطلق معه شعار "ها نحارب" ، فبدأت المقاومة وبدأت حرب الإستنزاف والتى كانت بمثابة المصل والفاكسين للشعب المصري كما شبهها الأستاذ الشافعي بذلك التشبيه الرائع وكما تسمى حرب الثلاث سنوات والتى بدأت منذ يوم الحادي عشر من يونية ١٩٦٧ وتوقفت بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بنهاية سبتمبر ١٩٧٠ ، لتبدأ بعدها خطة الخداع الاستراتيجي والوصول إلى انتصار أكتوبر ١٩٧٣ ، والمعنى المقصود من الإستنزاف هو استنزاف العدو والكيان وتكبيده خسائر كبيرة ، حتى جاء يوم السادس من أكتوبر ١٩٧٣ وحدث الإنتصار العظيم الذى أعاد الكرامة والعزة إلى الجندي المصري والشعب المصري والأمة العربية ، وأبطل مقولة الكيان عن جيشه المغرور أنه لا يقهر ، فقهره المصريون والعرب فى حرب المجد والانتصار العظيم الذي عبر الهزيمة والنكسة فصاح أبطال مصر
" الله أكبر" وهتفوا وهم يعبرون ويحطمون كل الموانع والأساطير الوهمية التى أطلقها الكيان فكانت الصيحة التى بثت الرعب فى قلوب العدو وزلزلت نفوسهم وأرواحهم.
لقد كانت حرب الاستنزاف مقدمة إلى ملحمة الصمود المصري وكانت بالفعل كما قال الأستاذ الشافعي هي "الطريق إلى أكتوبر" ، و قال في لمحة مهمة جدا معبرا عن تلك السنوات الهامة فى تاريخ الأمة العربية وفي إيجاز شديد أنه بعد حرب 1967 التي أسفرت عن احتلال إسرائيل لسيناء، دخلت مصر في مرحلة صعبة من تاريخها الحديث ومع ذلك، لم تستسلم إرادة الشعب المصري، وقادته إلى مواجهة طويلة الأمد مع العدو الإسرائيلي ، هذه المواجهة عرفت باسم
"حرب الاستنزاف"، وهي فترة حاسمة شكلت المدخل لحرب أكتوبر المجيدة.
عندما تحدث الأستاذ الشافعي عن أسباب اندلاع الحرب أظهر رد الفعل المصري على الهزيمة وقال أن مصر شعرت بالإهانة والغضب بعد هزيمة حرب 1967، مما دفعها إلى البحث عن وسيلة لاستعادة كرامتها واستنزاف العدو، في نفس الوقت الذي قامت فيه اسرائيل ببناء خط بارليف على طول قناة السويس، وهو خط دفاعي متحصن بشكل كبير، مما دفع مصر إلى محاولة اختراقه وتدميره.
ولقد دعم الشعب المصري القيادة السياسية و حظيت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر بدعم شعبي واسع في قرارها بخوض حرب الاستنزاف ورأى المصريون فيها وسيلة لتحرير الأراضي المحتلة.
فشنت القوات المسلحة المصرية سلسلة من العمليات العسكرية ضد خط بارليف والقوات الإسرائيلية المتمركزة في سيناء، مما أسفر عن خسائر فادحة في صفوف العدو حيث استخدمت مصر أسلحة متطورة مثل الصواريخ المضادة للطائرات، مما شكل تهديدًا كبيرًا على الطيران الإسرائيلي بعد بطولات كبيرة لسلاح القوات الجوية والطيران المصري.
وكان من نتائج ذلك أن تم استنزاف العدو ونجحت مصر بالفعل في استنزاف الكيان مادياً وبشرياً، مما أضعف قدرته على مواصلة الاحتلال ، وكذلك تم رفع معنويات الشعب المصري ، فقد عززت حرب الاستنزاف من معنويات الشعب المصري، وأكدت على قدرته على الصمود والمقاومة ، وكان من أهم النتائج التى أدت إليها الحرب هي تجهيز مصر لحرب أكتوبر حيث مهدت الطريق لحرب أكتوبر 1973،واكتسبت القوات المسلحة المصرية الخبرة والمعرفة اللازمتين لتحقيق النصر.
وعن البطولات والمعارك يحدثنا الأستاذ الشافعي فيقول : بعد هزيمة حرب 1967، دخلت مصر في مرحلة صعبة من تاريخها الحديث ومع ذلك، لم تيأس القيادة المصرية والشعب، بل قرروا خوض معركة استنزاف طويلة الأمد مع العدو الإسرائيلي ووضعوا خطة أطلقوا عليها " العنقاء " لإعادة بناء القوات المسلحة وخوض معارك الاستنزاف ، وكانت هذه المعارك والبطولات بمثابة تمهيد حقيقي لحرب أكتوبر المجيدة، حيث تم خلالها اكتساب الخبرة القتالية وتطوير التكتيكات العسكرية التي أدت في النهاية إلى الانتصار التاريخي.
وكان من أهم هذه المعارك الحاسمة ودورها في الطريق إلى أكتوبر ( معركة رأس العش - يوليو 1967) التى كانت بمثابة الشرارة الأولى لحرب الاستنزاف رغم الهزيمة في حرب يونيو، فأثبتت القوات المصرية قدرتها على الصمود والمقاومة، مما رفع معنويات الجيش والشعب.
كما تناول بطولات وملاحم كبيرة مثلما حدث فى معركة القنطرة شرق ، وجزيرة شدوان ، وكذلك حدثنا عن أهم البطولات كما حدث في عملية الحفار ، وأيضا عندما تمكنت القوات المصرية من إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات، مما كان له أثرا كبيرا على معنويات الجيش المصري وشكل ذلك ضربة موجعة للأسطول الإسرائيلي.
بطولات ومعارك فى الأرض والجو والبحر كان لها كبير الأثر أدت إلى اكتساب الخبرة القتالية حيث اكتسبت القوات المسلحة المصرية خبرة قتالية واسعة، مما مكنها من تطوير تكتيكات جديدة وفعالة و تطوير الأسلحة والتجهيزات مما زاد من قوة الجيش المصري.
وعن الأبطال والشهداء قال :
لقد كانت هناك ملحمة بطولية شارك فيها آلاف الأبطال، لكن بعض الأسماء برزت بشكل خاص فكان من الضباط والقادة الفريق أول محمد فوزي والفريق اول محمد صادق والفريق عبد المنعم رياض، والمشير أحمد إسماعيل، والفريق اول سعد الدين الشاذلي، وإبراهيم الرفاعي وغيرهم الكثير ممن خططوا وقادوا العمليات العسكرية ببراعة مع الضباط و الجنود الذين تحملوا مشاق القتال وضحوا بأرواحهم دفاعًا عن الوطن وكان الشعب المصري بأكمله بطلاً، حيث قدم الدعم المعنوي والمادي للجيش، وتحمل صعوبات الحرب بصلابة.
وهنا يقدم لنا الأستاذ الشافعي أدوار مهمة قام بها على وجه الخصوص الفريق محمد فوزي والفريق صادق وإبراهيم الرفاعي الذين مثلوا ثلاثية القيادة في حرب الاستنزاف ، فالفريق محمد فوزي تولى منصب وزير الحربية في فترة حرجة بعد نكسة 1967 وكان له دورا بارزا في قيادة العمليات العسكرية خلال حرب الاستنزاف، حيث ساهم في تطوير قدرات الجيش المصري وفي تنفيذ العديد من العمليات الناجحة وهو من وضع خطة العبور
" جرانيت " التى تم تطويرها بعد ذلك وأدت للعبور العظيم.
يأتي بعد ذلك لفريق محمد أحمد صادق وهو رجل المخابرات الذي اشتهر بدوره الكبير في المخابرات الحربية، حيث أسس مجموعة 39 قتال
التي نفذت العديد من العمليات النوعية خلف خطوط العدو وأدخل تعديلا وتطويرا على خطة العبور " جرانيت " وكان له دورا أساسيا في تخطيط وتنفيذ العمليات الخاصة خلال حرب الاستنزاف، وكان يعتبر أحد أهم القادة العسكريين في تلك الفترة.
ولعب دوراً هاماً في التخطيط لعملية العبور، حيث كان أحد أعضاء مجلس الحرب الذي وضع الخطة النهائية.
وعن البطل إبراهيم الرفاعي يقول الأستاذ الشافعي أنه قائد المجموعة 39 قتال وهي مجموعة كوماندوز خاصة نفذت العديد من العمليات الجريئة خلف خطوط العدو ،
و اشتهر بأسلوبه الفريد في القتال، حيث كان يعتمد على المفاجأة والتسلل، وكان له دورا كبيرا في رفع معنويات الجيش والشعب المصري. واستشهد إبراهيم الرفاعي خلال حرب أكتوبر، وهو يعد أحد أبرز أبطال هذه الحرب.
وعن أهم الخطط الاستراتيجية كانت خطة العنقاء كما قلنا فقد كانت خطة عسكرية شاملة هدفت إلى تطوير قدرات الجيش المصري وتجهيزه لحرب مستقبلية و تضمنت الخطة تطوير الأسلحة والتدريب، وبناء خطوط دفاعية متينة...
ثم كانت الخطة جرانيت التي وضعها الفريق محمد فوزى وزير الحربية وكانت خطة عسكرية تهدف إلى شن هجوم كبير على القوات الإسرائيلية في سيناء وعبور القناة والوصول إلى المضايق ، ثم طورها الفريق صادق وطورها الفريق سعد الدين الشاذلي فيما عرف بخطة المآذن وتم دمج تلك الخطط فى خطة العبور " بدر" التى استخدمت في العبور وانتصار أكتوبر.
وأخيرا وليس آخرا..
لقد كانت حرب الاستنزاف صفحة مشرفة في تاريخ مصر، حيث أظهر الشعب المصري إصراره على استعادة حقوقه وتحرير أرضه وقد أثبتت هذه الحرب أن الإرادة الصلبة والشعب الموحد قادران على تحقيق الانتصار مهما كانت التحديات.
"الطريق إلى أكتوبر"
كتاب ينبغي أن يقرأه كل الأجيال وخاصة جيل الشباب
ليعرف ويتعرف على أهم وأصعب الفترات فى تاريخنا الحديث ويعرف تضحيات الشعب المصري وأبناؤه وجنوده وقادة جيشه وبلده.
يقول الأستاذ الشافعي:
تأبي الإنتصارات الكبيرة إلا أن تأتي بعد تضحيات جسيمة وجهود مضنية لتصبح بعد ذلك منارات عملاقة في مسيرة الأمم والشعوب.
صابر الجنزوري
コメント