هي تلك الانتهاكات لقوانين الحرب ، أو القانون الدولي ، التي تعرض شخصا ما للمسئولية الجنائية الفردية . وبينما يعود فرض قيود على التصرف في نزاع مسلح إلى المحارب الصيني صن تسو فى القرن السادس قبل الميلاد ، كان الإغريق القدماء من بين أول الذين اعتبروا تلك المحظورات قانوناً . وظهرت فكرة جرائم الحرب بحد ذاتها ، وبأكثر معانيها اكتمالا ، في قانون مانو الهندي " حوالى عام ٢٠٠ ق.م " . ومن ثم شقت طريقها إلى القانون الروماني والقانون الأوروبي . وبصفة عامة ، تعد محاكمة بيتر فون هاجنباخ ، الذي حوكم سنة ١٤٧٤م في النمسا وحكم عليه بالموت لقيامه بأعمال وحشية في وقت الحرب ، أول محاكمة حقيقية على جرائم الحرب فى العصر الحديث .
* وقد قبلت بعض الدول مع الحرب العالمية الأولى اعتبار انتهاكات معينة لقوانين الحرب من الجرائم التى قنن معظمها في اتفاقيات لاهاي لسنة ١٨٨٩م وسنة ١٩٠٧م . وعرف ميثاق محكمة نورمبرج العسكرية الدولية لسنة ١٩٤٥م جرائم الحرب بأنها " انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها ، بما في ذلك قتل مدنيين في أرض محتلة ، أو إساءة معاملتهم أو إبعادهم ؛ قتل أسرى حرب أو إساءة معاملتهم ؛ قتل رهائن ؛ سلب ملكية خاصة ؛ والتدمير غير الضروري عسكريا .
* ولم يتبن المجتمع الدولي فكرة المعاقبة على جرائم الحرب بسهولة ، وإنما مرت هذه الفكرة بعدة مراحل ، ويمكن اعتبار النصوص الدولية التالية علامات مميزة لهذا التطور :
- معاهدة فرساي لعام ١٩١٩م .
- اتفاق لندن لعام ١٩٤٥م .
- اتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩م ، وخاصة الاتفاقية الرابعة .
* وقد أصبحت جرائم الحرب في وقتنا الراهن تستلزم ملاحقة فاعليها ، والحكم عليهم بأشد العقوبات ، وقد ذكر البروفيسور تونكين فى هذا الخصوص ما يلى : " عندما يطلق على حرب عدوانية تستهدف انتهاك الأعراف الدولية ، صفة جريمة ، فهذا يعني بالنسبة للدولة ، أنها ارتكبت جنحة ذات طابع خاص للغاية ، أما الأشخاص الطبيعيين الذين نفذوا هذه الأفعال ، فيطبق عليهم القانون الدولي الحديث ، مبدأ اقتراف الجريمة الدولي ، وما يسفر عنه من تحميلهم للمسئولية الجنائية " .
* ومن وجهة نظرنا ، يمكن القول إن القانون الدولي الجنائي يشكل فرعا متكاملا للقانون الدولي ، و تنظم قواعده التعاون في مجال التخصص والقبض على الأشخاص الطبيعيين ومعاقبتهم ، بصرف النظر عن مناصبهم باعتبارهم الشخصيات المسئولة عن ارتكاب الجرائم الدولية والجرائم ذات الطابع الدولي " .
* وفي هذا السياق لابد من التركيز على الجرائم الدولية التالية :
- جرائم ضد السلام :
وهي كل عمل يتضمن التخطيط والتجهيز والإعداد لشن حرب عدوانية ، أو البدء بمثل هذه الحرب ، أو أي حرب منها ، خرق للمعاهدات والاتفاقيات الدولية أو التعهدات المعطاة ، أو المشاركة في خطة أو مؤامرة تهدف لاقتراف مثل هذه الأعمال . وتعد الجرائم ضد السلام ، حسب اقتراح تراينين تعبيرا جديدا تبناه اتفاق لندن عام ١٩٤٥ م ، وقد أنشأ هذا الاتفاق المحكمة العسكرية الدولية التي عُرفت باسم محكمة نورمبرغ ، ووضع لها شرعيتها الخاصة بها والتي تتكون من ٣٠ مادة ، بالإضافة إلى لائحة الإجراءات التي تطبق فيها ، والعقوبات التي يمكن أن تصدرها بدلا من تعبير " جرائم الحرب " .
- جرائم ضد الإنسانية :
وتشمل جرائم القتل والإبادة والتعذيب والتهجير والابعاد والاستبعاد والإرهاب والاعتقال غير الشرعي والاضطهاد ، لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية ، سواء كانت فردية أو جماعية ، ويلحق بهذه الأعمال الشبيهة بها التي تقترف ضد المدنيين في المناطق المحتلة .
- جرائم الحرب فى حد ذاتها :
وهي الانتهاكات الخاصة بقوانين الحرب من جهة ، ولما تعارفت عليه الأمم المتمدنة في حروبها من جهة ثانية ، بالإضافة إلى أي جريمة أخرى غير هذه الجرائم تقترفها سلطات الإحتلال أو أفرادها ضد المدنيين في المناطق المحتلة .
* وقد تبنت هيئة الأمم المتحدة بموجب قرارها الصادر عن جمعيتها العامة تحت رقم ٩٥/ا بتاريخ ١١ ديسمبر ١٩٤٦م ، مبادئ محكمة نورمبرغ الستة التالية :
١- كل شخص يرتكب أو يشترك في ارتكاب فعل ، يعد جريمة طبقا للقانون الدولي ، ويكون مسئولا عنه ويستحق العقاب .
٢- إذا كان القانون الوطني لا يعاقب على عمل يشكل جريمة حرب ، فان هذا لا يعفي من ارتكبه من المسئولية وفقا لأحكام القانون الدولي .
٣- إذا تصرف الشخص الذي ارتكب الجريمة بوصفه رئيسا للدولة أو مسئولا فيها ، فان هذا لا يعفيه من المسئولية طبقا للقانون الدولي .
٤- إذا تصرف الفاعل بأمر من حكومته ، أو من رئيسه الأعلى ، فان هذا لا يعفيه من مسئوليته حسب أحكام القانون الدولي ، ولكن من الممكن أن يساعده ذلك كأحد الظروف المخففة لصالحه حسب المادة الثامنة من قانون المحكمة .
٥- كل متهم بجريمة دولية له الحق فى محاكمة عادلة طبقاً لأحكام القانون الدولي .
٦- إن المبدأ الذي يقول " لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص " المطبق في القوانين الداخلية يمكن التجاوز عن تطبيقه في القانون الدولي .
* ومن هنا يتضح لنا أن هناك في مبادئ القانون الدولي الحديث ، مبدأ يقول بأن المسئولية عن ارتكاب الجرائم ضد السلم ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد البشرية يتحملها ، إلى جانب الحكومات ، أولئك الأشخاص الطبيعيين المتهمين بإعداد الجرائم المذكورة وتخطيطها وتدبيرها وارتكابها ، و يعد الشخص الطبيعي مقترفا لجريمة جنائية دولية ، حيث يكون هذا الشخص بما له من علاقة قانونية بالدولة ، قد اقترف جرائم دولية بصفة شخصية وعن طريق اللجوء إلى هيئة من هيئات الدولة .
* أنواع جرائم الحرب :
- تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم .
- الجرائم الموجهة ضد المدنيين كاغتصاب النساء ، والتعدي على الممتلكات الشخصية .
- التشغيل والتهجير القسري للسكان .
- التعذيب والإبادة الجماعية .
* اتفاقيات جنيف :
وقد نظمت اتفاقيات جنيف التي عُقدت على أربع مراحل بدءا من عام ١٨٦٤م وحتى عام ١٩٤٩م ، الأعمال التي تصنف كجرائم حرب ، حيث نصت الاتفاقية الرابعة على حماية المدنيين في حالة الحرب ، والحفاظ على حقوقهم المدنية .
- كما اعتُبرت هذه الاتفاقيات المرجعية لتحديد ما إذا كانت الأعمال التي تجري من قبل إحدى القوى التي تدخل في حرب قد قامت بجرائم حرب .
-وتعد هذه الاتفاقية " الرابعة " ملزمة بموجب القانون الدولي ، وجرى على أساسها تعقب العديد من القادة العسكريين والسياسيين لمحاكمتهم ، إما محليا أو في المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست عام ٢٠٠٢م ، وتختص بمحاكمة الأفراد الذين يرتكبون جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية .
Comments