يوضع الإنسان أمام اختبارات وأمام اختيارات صعبة خلال حياته، وأجد نفسي الآن أمام اختبار واختيار أكثر صعوبة من كل ما مررت به، وهو أن أمارس الرياضة التي عشت حياتي من أجلها باسم بلد آخر غير بلدي مصر، وأن يكون العلم الذي أرفعه في أي بطولة أحصل عليها علم غير الذي حلمت بأن يرافقني في لحظات الفوز، وأن يُحسب نجاحي - إذا وفقني الله إليه – لصالح مكان غير الذي عشت فيه وتربيت، وأن يرتبط بمكان آخر سوى مصر وأهلها الذين أنتمي إليهم بكل ذرة من وجودي.
منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها ممارسة رياضة كمال الأجسام كان الأبطال الذين يلهمونني أبطالاً مصريين، والذين يشجعونني هم أهل بلدي الطيبين الذين منحوني تعاطفهم وحبهم وتقديرهم. وفي الصالات الرياضية الصغيرة الفقيرة الإمكانيات قضيت معظم حياتي، يحوطني النبل من المصريين البسطاء مثلي، والمشاعر الطيبة والجدعنة والكرم حتى مع الظروف الصعبة، لكن كل واحد منهم كان حريصاً على أن يُقدِّم مساعدة من أي نوع، ولو بكلمة تقدير أو ابتسامة مودة، أوداء صادر من القلب.
عملت نجاراً سنوات طويلة لأتمكن من تغطية تكاليف رياضة كمال الأجسام التي ترهق ميزانية أي ممارس لها، واختلطت عن قرب بكل فئات المصريين، وأحسست أنني أجد نفسي بينهم، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، وأننا كلٌّ واحد مترابط. وتعلمت من أبي -الرجل البسيط الذي شجعني على الاستمرار في ممارسة الرياضة دون أن يكون هناك أفق للنجاح- أن أحب بلدي وأفخر بها، وأحسست مثل كل المصريين، مهما كانت أوضاعهم الاقتصادية ومعاناتهم، بمشاعر الفخر بالانتماء إلى بلد عريق تجسدت فيه أرقى معاني الحضارة منذ آلاف السنين، ولا تزال رغم كل الصعوبات باقية.
لقد وفقني الله إلى إحراز مراكز متقدِّمة في بطولات عالمية كبرى في كمال الأجسام، فقد حصلت على الميدالية البرونزية في بطولة العالم للمحترفين التي أقيمت في رومانيا في نوفمبر 2018، وأبذل كل ما أملك من جهد من أجل المشاركة في بطولة مستر أولمبيا، أكبر البطولات العالمية في كمال الأجسام، ولكنني أحتاج إلى مساعدة من المؤسسات الرياضية في بلدي الحبيب، وهو الأمر الذي يبدو مستحيلاً. وأمامي الآن اختياران: أن أتخلى عن حلمي وطموحي، أو أن أقبل جنسية بلد آخر سيمنحني تسهيلات وامتيازات مقابل أن ألعب باسمه. وهذا الاختيار هو أصعب ما قابلت في حياتي.
لقد وقفت عند آخر نقطة أستطيع الوصول إليها وحدي، ولا يمكنني الحصول على بطولة أكبر إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وطيلة حياتي أنفقت من مالي الخاص على الرياضة التي أحببتها، وحين ضاقت بي الحال سافرت إلى دولة الكويت الشقيقة لاعمل بالتدريب، وظللت أنفق كل دخلي على التدريب دون أي شكوى، ووأستخدم كل مدخراتي من أجل التدريب والسفر للمشاركة في البطولات بما يتضمنه ذلك من إقامة ومستلزمات رياضية، وكنت قادراً بحمد الله على تحمل التكلفة المادية، لكنني الآن في مفترق طرق صعب. أنا لا أطلب الكثير، ولن أكلف الدولة ملايين الجنيهات، وكل ما أطمع فيه هو الدعم الإداري وتحمًّل بعض تكاليف السفر والإقامة والتدريب التي لا أستطيع تحملها في هذه المرحلة تحديداً. لكنني فوجئت بأن الأجهزة والمؤسسات الرياضية لم تُظهر استعداداً لمساعدتي ولو على مستوى استخراج تأشيرة للمشاركة في البطولة، وأنا أُقدِّر ظروف بلدي وأعرفها، لكن هل تكلفة الإقامة والتدريب تمثل مشكلة كبيرة فعلاً لا تستطيع المؤسسات الرياضية المصرية تحمُّلها؟ يؤلمني أنني لا أجد أمامي طريقاً غير البحث عن بلد آخر يمنحني فرصة تحقيق حلمي ومحاولة الفوز في بطولة "مستر أولمبيا"، ولن أدَّعي أن العروض تنهال عليَّ من دول أخرى، لكن كل من لديه معرفة بالشأن الرياضي يعلم أن الحصول على جنسية ثانية في مثل وضعي ليس أمراً صعباً.
قد أُضطر إلى هذا الخيار المُرّ والمُحزن بالنسبة إليَّ، لأن كل ما تمنيته كان مرتبطاً بمصر، بلدي وبلد أبي وأمي وأصدقائي وأحبتي وناسي والبسطاء والفقراء الذين أفخر بأنني واحد منهم. ولا يزال لدي أمل في أن المؤسسات الرياضية المصرية ستسعى إلى مساعدتي، وأن أجد في اللحظة الأخيرة من يمًدُّ يده إليّ بالعون في هذه المرحلة الفاصلة من حياتي الرياضية. وفي كل الأحوال، ستبقى مصر هي الوطن الذي لا أعرف سواه، أيا كان ما سيختاره الله لي، وهو نعم المولى ونعم النصير.
Comments