العقل يميز الصّواب والخطأ والنّافع والضّار، فالإنسان العاقل هو الإنسان الذي يستطيع أن يميّز بين ما هو صواب وحقّ أو ما هو عكس ذلك بسبب أنّ العقل يزوّد الإنسان بالأسباب والأدوات التي تؤدّي إلى إدراك الأمور والقضايا وتمييزها وتحليلها واختيار الأصوب والأصحّ بينها وترجيحه. فالعقل هو ملكة الرفض والقبول عند الإنسان وهو ملكة التمييز وأساسا للاختيار وملكة الترجيح. لذلك يعتبر علم الفلسفة عند هؤلاء الفلاسفة المحرك الحقيقي لقدراتهم على تحويل العالم إلى عالم مثالي ينفرد بالأخلاق ويحكم هذا الكون بالعدل والحق.
ولا تخفى على أحد من الناس أهميّة العقل الكبيرة، فالعقل هو واحد من أهم الأمور على الإطلاق التي ميّزت الإنسان عن غيره من المخلوقات التي خلقها الله تعالى على هذه الأرض؛ فالعقل هو الّذي يعطي للإنسان ملكة الإدراك، وهو الذي يعطي الإنسان القدرة على التفكير، والنقد، والخروج من المآزق والأزمات، والاستمرار في الحياة، والتوسّع في العلم.
فاللافت في الأمر أنّ الله تعالى لم يعط العقل لجماعةٍ معيّنة فقط من الناس، ليفكروا نيابة عن غيرهم، فمقولة (أطفئ مصباح عقلك واتبعني) والتي تلاقي ذلك الرواج الكبير بين الناس على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم، سبّبت الكوارث لهذه البشريّة، فأدخلت العالم في نزاعات وحروب لها أوّل وليس لها آخر، كما أدخلت العالم في دوامة الطائفيّة الحمقاء، والعصبيّات التي لا طائل منها سوى زيادة كمية الدماء المراقة.. محمد مروان.
أما أنواع العقل في القرآن فهي:
– عقل مدرك وهو العقل الكبير وهو عقل مدرك الألوهية لله والتدبر والتفكر في مخلوقات الله، والإيمان بالله ورسوله، وطريقة الوصول إلى الله والهداية.
– العقل غير مدرك وهو الصغير وهو ليس عنده القدرة في التدبر والتفكر في مخلوقات الله ولا الطريق إلى الله ورسوله.
– العقل المتوسط الإدراك.
اعتقد الرواقيون في اليونان القديمة، أن كل الحالات الذهنية والتصرفات هي عبارة عن حالات للنفس المادية. وكانت فكرة الروح تعتبر نظريا أشمل من المفهوم العصري للعقل، إذ كانوا يعتقدون أنها تنفس ناري، حار، ملتهب والتي تبث إلى الجسد المادي المحسوس وتطبعه. وكونها مادة عالية الحساسية، فإن تلك النفس تتخلل وتنتشر في الجسد، مؤسسة آلية ميكانيكية، قادرة على أن تكتشف المعلومات الحسية، التي يتم تحصيلها من خلال أدوات الحس، ومن ثم تنقل تلك المعلومات للجزء القيادي المركزي للنفس داخل الصدر. وبعد وصول تلك المعلومات، فإنها تعالج ويتم تطبيقها وتنفيذها، من خلال النشاطات المتعددة.
ويقول معاوية، العقلُ عقلان: عقلُ تَجَارِب، وعقلُ نَحيّزة. فإذا اجتمعا في رجلٍ، فذاك الذي لا يُقام له. وإذا تفرَّدا، كانت النحيزةُ أولاهما وهو يُشبه قول من قال: العقل ضربان: عقلُ الطبيعة، وعقل التجربة. وكلاهما يَحْتَاج إليه، ويُؤدِّي إلى المنفعة.. موسوعة المصطلحات الفلسفية عند العرب، ص479.
فعقل النحيزة المذكور في قول معاوية هو الغريزة التي في الإنسان، والتي يمتاز بها عن سائر الحيوان. وعقل التجارب هو العلوم المكتسبة بواسطتها.
وممَّا تنبغي ملاحظته: أنَّ العقل المكتسب لا ينفكّ عن العقل الغريزيّ؛ لأنَّه نتيجة منه. وقد ينفكّ العقل الغريزيّ عن العقل المكتَسَب، فيكون صاحبُه مسلوبَ الفضائل، موفورَ الرذائل؛ كالأنواك الذي لا تجد له فضيلة، والأحمقِ الذي قلّما يخلو من رذيلة.
يقول أبو حامد الغزالي: إن النفس تقبل المفطورات، فحينئذ تكون عقلاً غريزياً.
كلمة العقل كما يراها، محمد تقي المدرسي، من ناحية اللغة، مشتقة من عقله بمعنى ربط وثاقه، ليحفظه عن الإفلات. وبهذه المناسبة يطلق العرب كلمة العقل على ما يحفظ الإنسان من موجبات الردى.
ويقابل العقل عادة بالجهل، والجنون، ويقصد بالأول، عدم القيام بما ينبغي القيام به، لعدم معرفته، أو لتغلب الشهوة ويقصد بالجنون وجود خلل في أعصاب الفرد، مما يدعه غير قادر على العمل بما ينبغي عليه. وفي بعض الأحيان نستعمل لفظة الإرادة للدلالة على تلك الطاقة التي تجعلنا نقوم بما ينبغي لنا أن نقوم به، ونطلق على كشف ما ينبغي لنا أن نقوم به بالمعرفة والعلم.
ومن هنا يتضح أهمية العقل والحفاظ عليه، ومن ثم يجب على الإنسان أن يُطور عقله، ويُنيره بالعلم والثقافة وسعة الاطلاع.. فمعلوم إن أول مخلوقات الله، هو القلم وكتب به المقادير. وعندما خلقَ اللَّهُ العقلَ فقالَ لَهُ أقبِلْ فأقبلَ فقالَ لَهُ أدبِرْ فأدبَرَ فقال وعِزَّتي ما خلقتُ خلقًا أَكرَمَ عليَّ منْكَ فبِكَ آخُذُ وبِكَ أُعطي ولَكَ الثَّوابُ وعليْكَ العقابُ. وفي رواية لا أضعك إلا فيما أحب، ولا أنزعك إلا ممن أبغض.. الدرر السنية.
ومما قاله سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن العقل: العقل يوجب الحذر، والجهل يوجب الغرر.. والعقل حيثُ كان ألف مالوف، وينبوع الخير، وصلاح كل أمر، وهو شجرةً ثمرته الحياء والسخاء. وأخيرا يشبهه بالمركبة.. الفهم آيته، والنطق عنوانه، والتواضع خلاصته وحصاده.
ووصفه سيدنا عمرو ابن العاص رضي الله عنه: بأن العقل، هو الإصابة بالظن، ومعرفة ما سيكون بما كان.
ولعل نهوض كثيرًا من دول العالم وتقدمها ونهضتها.. حتى وصلت إلى سطح القمر، والكثير من الاختراعات الخارقة للعادة؛ كان بسبب الاهتمام بالعقول، والعناية بها؛ من خلال العلم، والفكر الناضج.. وليس تعطيله من خلال أفكارًا تنم عن جهل، وهرطقات توارثوها من أسلافهم؛ حتى جعلوا من أمتهم، وشعوبهم؛ موضع تندر، وسخرية أمام الدول المتقدمة، للجهل الذي يقبعون في براثنه.
لذا حَرِيًّا بالإنسان أن يهتم بعقله وتنميته وتطويره من خلال ما أكدته بعض التجارب الطبية أن أفضل الأساليب والطرق لتنمية الذكاء وتطوير القدرات العقلية هي القيام بالتمارين العقلية لأنها تحفز خلايا المخ وتعمل على تفعيل وتنشيط خلايا مخ الإنسان، لذا واظب دائما على ممارسة أي نوع من أنواع الرياضات العقلية ولو كانت بسيطة كحل الألغاز أو جداول السودوكو أو الألعاب المنطقية أو النقاش الفكري مع الأصدقاء، اقرأ، سجل في حلقات محبي قراءة الكتب، العب الشطرنج أو الألعاب الأخرى المنشطة للدماغ، اكتب قصة حياتك، حلَّ الكلمات المتقاطعة أو الفوازير، سجل في صفوف الموسيقى أو الفنون، ضع تصميما جديداً لحديقتك. وفي موقع العمل، اقترح مشروعاً ما، أو تطوع للعمل في مشروع لاكتساب مهارات لا تملكها. فبناء الاتصالات داخل المخ، والحفاظ عليها، عمليتان دائمتان، ولذا فإن عليك أن تحول التعلم إلى أولوية على مدى عمرك لتنمية قدراتك العقلية أكثر والمحافظة عليها.
وليس التمارين العقلية فقط هي ما يجعل خلايا المخ نشطة. ولكن إيجاد الطرق الجديدة والغريبة في التفكير ورؤية العالم من شأنها أن تُحسن وظائف الأجزاء الغير نشطة وغير المستخدمة المخ. تستطيع أيضا أن تجرب أشياء جديدة، أن تقوم بأعمال جديدة دائما، أن تذهب لعملك أو لبيتك عبر طريق جديد، أن تسافر إلى أماكن جديدة، أن تكتشف مواهب وقدرات جديدة في نفسك، وكذلك أن تبتعد عن كل الحركات والأعمال الروتينية الموجودة في حياتك. وهذا أمر سيساهم في تنمية ذكائك وقدراتك العقلية أكثر.
Comments