top of page

مرام محمد تكتب: رغبة إنسانية أم غاية شيطانية؟!


تفرد الإنسان عن غيره من الكائنات الحية بنعمة العقل، التي مكنته من التفكر والتأمل والتدبر، وساعدته على التحليل والتفسير والتطوير، وأرشدته للطريق، وكانت سبب خلاصه من البدائية والرجعية، فلولا هذه النعمة ما كنا وصلنا اليوم إلى هذه الحداثة البراقة في كافة مناحي الحياة.


يقول ألبرت أينشتاين.. “أخشى ذلك اليوم الذي ستطغى فيه التكنولوجيا على تواصل البشر لبعضهم، حينها سيحظى العالم بجيل من الأغبياء”. فهل تنبأ “أينشتاين” بنهاية العالم على يد جيل من الأغبياء؟


على مر العصور، كان الانسان يحاول دوما أن يبدع ويبتكر ويبحث عن كل ما هو مختلف؛ ليحسن من حياته ويشبع احتياجاته، كاكتشاف النار قبل ملايين السنين، والتي تمثل شعلة البداية للتقدم والنماء لكافة الحضارات، وقيام الكثير من العلماء بتكريس حياتهم في البحث العلمي؛ ليخرجوا لنا الاختراعات والإنجازات التي قدمت لنا النفع وكانت مسبارا للأمل، فاكتشاف توماس ألفا أديسون، للمصباح الكهربائي الذي كان سببا رئيسيا في النهضة وتغيير مسار البشرية نحو الأفضل، واختراع يوهان غوتنبرغ لآلة الطباعة، واكتشاف إسحاق نيوتن للجاذبية الأرضية عام ١٦٤٢م، والاكتشافات الطبية من أجهزة ولقاحات ساهمت في إنقاذ حياة الكثيرين وعلاج العديد من الأمراض كالحصبة وشلل الأطفال والجدري والأمراض المزمنة واكتشاف الحمض النووي والذي أحدث تقدما في عالم الطب والوراثة والطب الشرعي، ولا ننسى تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي التي تعتبر من أهم إنجازات البشرية في سبعينيات القرن الماضي والاكتشافات التقنية واختراع السيارة والطائرة والتي جعلت العالم قرية كونية صغيرة، وصولا للعصر الأخير على الإطلاق، العصر الذي بدأت فيه الدول تتصارع لتسيطر وتتحكم في دفة القيادة؛ فتسلحوا بالنووي والذكاء الاصطناعي، فتحول الهدف مع مرور الوقت من نفع البشرية للقضاء عليها.


وقد أحدث التقدم التكنولوجي المزيد من التحديات أمام البشر، فمع ازدياد احتياج الإنسان للتكنولوجيا في توفير متطلباته واحتياجاته، ظهرت معها تحديات الحفاظ على البيئة ونظامها. ولكن البشر بطبيعتهم العدوانية أصبحوا يسلكون كافة الطرق لإشباع احتياجاتهم ورفاهيتهم دون الاهتمام بالبيئة واحتياجاتها، فقابل تشييد العمران إزالة للرقعة الخضراء، وتسميم المزروعات بالمبيدات الحشرية والكيماويات ومخلفات المصانع؛ مما أدى لإحداث خلل في التوازن البيئي وإحداث كوارث مناخية ضخمة، ككارثة تسونامي بإندونيسيا عام ٢٠٠٤م والتي خلفت خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات. وكان لبناء المصانع بهدف النماء والتطوير آثاره الرجعية على الحياة البشرية فنتيجة للغازات الخطيرة المنبعثة من المصانع كثاني أكسيد الكربون أدى لزيادة درجة حرارة الأرض وتسبب هذا بدوره في حدوث حرائق الغابات المتكررة، فقد بلغت نسبة حرائق الغابات حول العالم ١٣٪؜ عام ٢٠٢٠م مقارنة بعام ٢٠١٩م ، كما أشارت الدراسات إلى أن النيران قد دمرت خمس مساحة الأشجار في أستراليا لعامي ٢٠١٩م – ٢٠٢٠م. ولازال الانسان ينتهك حرمة بيئته ويعتدي عليها كانسان الجاهلية، وهذا يؤكد أن مهما بلغ الانسان من علم ومعرفة، يظل جاهلا، طالما ستظل أخلاقه مندثرة في تراب الأرض التي خان عهدها.


إن المتأمل اليوم لما يحدث في العالم بأسره من صراعات وحروب وانتهاكات للأمن والسلام العالمي، يدرك مدى خطورة الانسان على نفسه وعلى استقرار بيئته، فنجده يرسم خططا ويكتب سيناريوهات متعاقبة للقضاء على العالم بمهل شديد، فكان لاختراع الطاقة النووية أثر عميق على التقدم البشري، ولكن واقعيا عند ذكر هذا المصطلح لا يتبادر في أذهاننا سوى كارثة هيروشيما وناجازاكي في اليابان عام ١٩٤٥م وما أصاب البشرية آنذاك، والأسلحة الكيميائية التي كانت أيضا من اختراع البشر، ولكنها طوعت في محاربة البشر أنفسهم، عندما استخدمت ضد مدنيين خلال الحرب العراقية الإيرانية أواخر الثمانينات، وتطويع التكنولوجيا بأجهزتها وأسلحتها وتقنياتها واستغلال أحدث الطرق الإقناعية والتوجيهية “غسيل المخ” في تشكيل الجماعات الإرهابية بهدف السيطرة والتفرد بحكم العالم من خلال قطب واحد فقط.. إلى أن انقلب السحر على الساحر واجتاح الإرهاب العالم بأسره وأصبح يهدد أمن الجميع دون استثناء، ثم نجد سيناريو يبدو مألوفًا قضى على ملايين البشر في غضون عامين فقط، “الحرب البيولوجية”، حيث انقض على البشرية بما يعرف بـفيروس كورونا المستجد، فيروس تفشى في العالم بأسره، متنكرا في عدة أقنعة، متسببا في ذعر العالم بأسره، فلم يفرق بين طفل ومسن وغني وفقير ومواطن ومسؤول، فالجميع أخذ نصيبه من الجائحة.

ومع اشتداد تفشي الجائحة، بدأت المسرحية تزداد ذروتها بين تحورات للفيروس وارتفاع أعداد الوفيات بين تارة وأخرى والتصارع من أجل اكتشاف اللقاح المخلص والمنقذ للبشرية وبين اتهامات ونظريات مؤامرة وجهت أصابع الاتهام للجميع.


نحن اليوم نعيش التقدم والتطور في أبهى صوره، لم يعد هناك من يستطيع أن يوقف خطورة ذكاء العقل البشري للسيطرة والوصول لقمة الهرم المقلوب!!

“فيمكن أن نقول إن كل الوسائل التي استخدمت إلى الآن لجعل الإنسانية أكثر أخلاقية، كانت كلها لا أخلاقية في الأساس”، فهل كان كل هذا التطور رغبة إنسانية، أم غاية شيطانية؟!

Comentários


bottom of page